منتديات الحسن (عليه السلام)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الحسن (عليه السلام)

اهلاً وسهلاً بكم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
,{ ترنيمة جنون !.
عضو مميز
عضو مميز
,{ ترنيمة جنون !.


انثى
عدد الرسائل : 334
تاريخ التسجيل : 18/12/2007

قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر" Empty
مُساهمةموضوع: قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر"   قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر" I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 19, 2007 10:47 pm

مقدمة

ـ لماذا هذه النافذة، يا أعزّائي، باللون الأسود واللون الأحمر ؟
ـ لأنها نافذةٌ تنفتحُ على أرض مقدّسة.. قُتِل فيها رجالٌ مقدّسون، وأطفال صغار.. كلُّ واحدٍ منهم لؤلؤة تَشعّ بالنور والجمال. إنها أرضُ كربلاء.
ولكربلاء ـ يا أحبّائي ـ قصة طويلة.. نَتذكّرُ فيها سيّدَ شبابِ أهل الجنّة الإمامَ الحسين عليه السّلام.. شهيد الحق والعدالة والإنسانية.
نَتذكّرُ أهلَ بيته الأبرار.. الذين قَتَلهُم الظالمون يومَ عاشوراء..
نَتذكّرُ أهلَ بيته الطيّبين.. الذين أسَرَهُم الطغاة بعد المذبحةِ الرهيبة.
وفي هؤلاء الأسرى: نساءُ أهلِ بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وأطفالهنّ الصغار.. وهم يبكون ويتألّمون ويصرخون، حُزناً على حبيبِهم الحسين وأصحابه، وألماً من عذاب الأسر والسجن والحرمان.
ـ لماذا قتلوهم ؟! لماذا أسَروهم ؟!
ـ لأنهم أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وأبناء عليّ وفاطمة الزهراء عليهما السّلام.
لأنهم لم يَقبَلوا بالظلم والانحراف، ولم يَرضوا بتسلّط الحكّام الجائرين.. فقالوا لهم: لا! إمّا الإسلام الصحيح، وإمّا الاستشهاد في سبيل الله.
الإمام أبو عبدالله الحسين عليه السّلام كان يُريد للحياة أن تكون جميلةً خضراء. ويريد أن يأنَس الناس بالعدل والصدق والكرامة والحبّ العميق. كان يُريد لكلّ أطفال العالم أن يعيشوا بسلام وسعادة وإيمان.
لكنّ أعداءَ الحياة، وأعداءَ الجمال، وأعداء الأطفال.. قَتَلوه، وقَتلوا إخوانَه وأصدقاءه وأولادَه في كربلاء وقتلوا حتّى ولده الصغير الرضيع في المهد.
وهكذا كان.. فإذا كربلاء أرض البطولة والصدق والجُرأة في المَشي إلى القتل.
وإذا عاشوراءُ يومُ الحزن والقتل والدم الطاهر الذي أراقَه الظلم والعُدوان.
مِن هنا يا أصدقائي.. صارت هذه النافذةُ الكربلائيةُ ملوّنةً بالأسود والأحمر!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
,{ ترنيمة جنون !.
عضو مميز
عضو مميز
,{ ترنيمة جنون !.


انثى
عدد الرسائل : 334
تاريخ التسجيل : 18/12/2007

قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر" Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر"   قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر" I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 19, 2007 10:49 pm

أبداً.. لن ننساه
هو ذا النّهار قد انتصف، وبدأت شمسُه تَميل.
الشمس فوقَ الرؤوس حارّة لاهبة، وما لَدَيهم في هذه الأرض قَطرةُ ماء. ثلاثة أيّام بلياليها، وهم جميعاً في جُوعٍ وعطش، وجيشُ العدوّ ـ بأعدادِهِ الكبيرة ـ قد حاصَرَ النهرَ القريب؛ لكيلا يَصِلوا إليه.. وسَدَّ عليهم طريقَ العَودة والرُّجوع.
نارُ الشمس، ونارُ العطش، ونارُ العَدوّ.. ولابدّ من الثَّبات والدفاع حتّى النّفَسِ الأخير.
كانوا قِلّة مِن الرجالِ الأوفياء يُحيطون بسيّدِهم العظيم في هذه البَرِّيّة، وإلى خَلفِهم في الخيامِ عددٌ من نساءِ أهل البيت، وعددٌ من الصَّبايا والصِّبيان.. في مَلحمة المقاومة الشريفة والظمأ الشديد:
ـ الماء.. الماء!
ـ العطش. قَتَلني العطش يا أبَتَاه!
ـ جُرعَة ماء! أمَا مِن مُسلمٍ يَسقينا جُرعةَ ماء ؟!
ويُغمى على صَبيّةٍ صغيرة، وتَستَغيثُ أُخرى، ويَلُوبُ طفلٌ رضيع.. ثمّ يَسكُنُ على صدرِ أُمِّه في إغماء. لقد جَفَّ في صدرِها اللّبَنُ مُنذُ يَومَين، وجَفّ منها الرِّيق.


* * *

بعد بُزوغِ شمسِ هذا اليومِ في الصباح.. بدأ هجومُ العَدوّ، وبدأتْ مَلحمةُ عاشوراء.
الرِّجالُ الإلهيّونَ المُنَوَّرونَ العاطِشون.. خَرَجوا إلى المَذبح، واحداً بَعدَ واحد. ما فيهم أحدٌ قد خافَ ـ ولو لحظةً ـ من الموت. أولياءُ الله، مِن الموتِ لا يَخافون. هُم ذاهبونَ على جَناحِ الشَّوق إلى اللِّقاءِ العظيم. يَعُدُّونَ الدقائقَ لموعدِ لقاءِ القاشقِ والمعشوقِ. الحبيبُ في غَيبِ الغُيوب بانتظارِ وُصولِ الأحباب. وأحبابُهُ قد جاهدوا مِن أجْلِه، في يومِ عاشوراء، حتّى قُطِعَتْ مِنهم الرُّؤوس، وهكذا سيَحضَرونَ بين يدَيه.
الآن.. كلُّهم قد عَبَروا ـ في سِباقٍ إلى الموعدِ في حدائقِ الحبّ النُّوريّة.
ما بَقِي إلاّ سَيِّدُهم العاشقُ الكبير.
رأى كيفَ قُتِل أبناؤهُ وإخوَتُهُ وكلُّ الأصحاب. عَبَروا شُهَداء، كأقدَسِ ما يكونُ الشهداء.
لم يَبْقَ في صحراء كربلاءَ غيرُهُ، وغيرُ هذهِ النِّسْوةِ المفجوعات، والصَّبايا المذعورات، وغيرُ آهاتِ:
ـ العَطَش.. واللهِ أنا عطشان!
ـ ماء.. قطرة ماء!
ـ أكادُ أموت.. لم أعُد أرى! أين أنتَ يا عَمّاه ؟!
كان هو أكثرَ عَطَشاً منهم. حتّى لو كان قد وَجدَ شيئاً من الماء لَقدّمَهُ إليهم في عطشِهِ الصابرِ العجيب. يُحِبُّهم من الأعماق، وهم يُحبّونه من الأعماق.. ولكنْ ماذا يَفعلُ في هذا الحَصار ؟!
يَعرِفُ أنّه لن يَتنازلَ لأعدائهِ عن الحقّ، وهؤلاءِ الأطفالُ أيضاً يَعرفون. إذَن عليهِ أن يُواصِلَ الثَّباتَ والمقاومةَ مَهما تحمّلَ مِن تضحيات.


* * *

صَهيلُ الخُيول يَعْلو، ويَعلو الغُبار. وأجسادُ الشهداءِ الداميةُ مَطروحةٌ أمامَهُ على التراب.. هنا وهناك نُجومٌ سَقَطَت في ساعةٍ على الأرض.
سوف يَمضي الآن بنفسِه إلى القِتال. المَوعدُ مَوعدُهُ الآن. سيمضي مُسرِعاً إلى لقاءِ الله. هي لحظةُ وصالٍ عظيمة، طالَما تَمنّاها أبو عبدالله.
ذَهبَ الآن إلى أُسرتهِ في الخَيمة، للوَداعِ الأخير.
ـ آه.. آه! العطش.. يا عَمّاه!
ـ ماء.. يا أبي.. قطرة.. ماء!
اختَلَجَتِ العَينانِ المُقدّستان، ولم تَخرج منهما قَطرةُ دَمع. مِن أين يأتيهما الدّمع ؟! كانَ يَغشاهما مِثلُ الدُّخان.. مِن شدّةِ العطش الطّويل.


* * *

جاءتهُ زوجتُهُ زائغةَ العَينين، مُتعَبة، حائرة.. تَحمِلُ بين يدَيها « شيئاً ». قدّمَته إليه، قالت:
ـ يا أبا عبدالله.. إسْقِهِ ماءً، سيَموت.
حَملَ ولدَهُ الرَّضيعَ بكلتا يدَيه. ليس له مِن العُمر غيرُ شُهورٍ ستّة. أخَذَ يَنظُر إلى وجهِ ولدِه الجميلِ النَّحيلِ. لقد ذَبَل كما تَذبُل وَردةٌ بيضاءُ عاطِرَةٌ في رياحِ ظَهيرةٍ صَحراويّة. وتَذكّرَ وجهَ أُمِّه.. فاطمةَ. القصّةُ طويلة.. بدَأتْ من هناك.
لاحظَ أنّ صغيرَهُ عبدَالله يَلُوك لِسانَهُ في فَمهِ، ويُديرُ رأسَهُ يَمْنةً ويَسْرةً مِن آلامِ الظمأ والجَفاف.
لو كان بَقِي في عينهِ دَمعٌ لَسقاهُ مِن دَمعِ العَين. قال:
ـ حَسْبيَ الله ونِعْم الوكيل.
حَملَ ولدَه إلى خارج الخَيمة.. ومضى.
مضى.. حتّى وَصلَ أمامَ صُفوفِ جيشِ العَدوّ. جيشٌ قد ملأ الأُفُق، لا يُرى له أوّلٌ ولا آخِر.
رَفَعَهُ أمامَهُم على يدَيه، لِيَرَوا ما فَعلَ الظمأُ بهذا الطفلِ الصغير.. فلعلَّ فيهم مَن يَرِقُّ قَلبُه له.
قالَ لهم: أُسْقُوا هذا الرّضيعَ ماءً. خُذوهُ أنتم واسقُوهُ إذا كنتم تَخافونَ أن أشربَ أنا من الماء. جُرعَة واحدةٌ تَكْفيه.. وخلفَكُم النّهُر يَجري، وتَشربُ منه حتّى الكِلاب!
وَقَفَ أبو عبدِالله مادّاً يدَيهِ بالطفلِ إليهم، وظلَّ يَنتَظِرُ الجواب.
وجاءهُ الجوابُ على الفَور. لم يَتأخَّرْ لحظةً واحدة!
أحسَّ أبو عبدالله أنّ « شيئاً » حارّاً بدأ يَسيلُ فَجأةً على كفَّيه. ونَظَر إلى هذا الشّيء، فإذا هو أحمرُ اللّون.. يَتَدفّقُ من رقَبَةِ صغيرهِ العَطشان! ورأى سَهماً أُمويّاً كريهاً قد انغَرَزَ في رقَبةِ الرَّضيع. كانَ السّهمُ قد انطَلَقَ مِن قَوسِ أحدِهم فذَبَحَ ولدَهُ العزيز. ونظرَ إليهِم الإمامُ الصابرُ نظرةً ذاتَ مَغزىً عميق.. ثمّ رَفعَ طَرْفَهُ إلى السماء.
ظلَّ الوَلَدُ يَرفسُ برِجلَيهِ دَقائق، ويَبسُطُ كفَّيهِ ويَقْبِضُهما مِن شدّةِ الألم، وهو يَتَلوّى ـ على يدَي أبيه ـ كالطَّيرِ المذبوح.. حتّى صَعَدَت روحُهُ القُدسيّةُ إلى الأعالي، واستقبلَتْها هنالكَ أفواجُ الملائكة الباكين.


* * *

ذَهبَ عبدُالله رَضيعاً شهيداً ظامئاً كأشدِّ ما يكونُ الظمأ.
ذَهبَ عبدُالله ذَبيحاً مَظلوماً كأقسى ما تكون الظُّلاماتُ في العالَم.
لكنّ صورتَهُ القُدسيّةَ المحفوفةَ بِهالَةٍ من النورِ السّماويّ ظَلَّتْ حاضرةً في ذاكرةِ التاريخ.
وظَلَّتْ صورةُ عُنُقهِ الفِضِيِّ الأبيضِ الذي تَفجّرَ منهُ الدمُ المحمّديُّ الشريف.. تَحمِلُها إلى الأبد كلُّ نَسمَةٍ من هواءِ العالَم.
وما يزَالُ الدمُ الطاهرُ يَقطُرُ على كفِّ أبيهِ الحسينِ صلوات الله عليه.. إلى آخِر أيّامِ الدنيا على هذهِ الأرض.
وما يَزالُ الصِّبيانُ والصَّبايا في العالَم كلِّه يَذكُرونَ حكايةَ الشهيدِ الرَّضيعِ المظلوم.
يَذكرونها كلّما رأوا طفلاً رَضيعاً على صدرِ أُمِّه.
ويَذكرونها كلّما شاهَدوا وَلَداً يَطلُبُ الماءَ مِن العطش.
ويَذكرونها كلّما سَمِعوا عن صَبيٍّ مظلوم يَتَعذّب.
ويَذكرونها كلّما شرِبوا هُم قَدَحَ ماءٍ باردٍ لذيذ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
,{ ترنيمة جنون !.
عضو مميز
عضو مميز
,{ ترنيمة جنون !.


انثى
عدد الرسائل : 334
تاريخ التسجيل : 18/12/2007

قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر" Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر"   قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر" I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 19, 2007 10:50 pm

أنا سُكَينة

أنا سُكَينة. اليوم عاشوراء، وهنا كربلاء.
ربّما انقَضَت ساعةٌ بعد الظُّهر، لا أدري. مَرَّ الوقتُ علَينا مُنذُ الصباحِ وكأنّه عُمرٌ طويل. وبالأخصِّ هذهِ اللحظات التي ذَهبَ فيها أبي إلى ميدانِ الحرب. إنشَدّت عُيونُنا إلى غُبارِ المَيدانِ وآذانُنا إلى صَيحات العَدوّ لمّا ذهبَ أبي إلى الميدان. صَعْبٌ علَينا.. صَعبٌ جدّاً.
أصواتُ الطُّبولِ والصنّاجات، وصَيحاتُ العدوِّ المُتَوحِّشَة.. تُفزِعُ قُلوبَنا.
الغُبارُ والعَجاجُ والدَّم.. في كلِّ مكانٍ مِن حَولِنا.
الشمسُ لاهِبةٌ فوقَ الرؤوس، والأرضُ مِن تحتِ أقدامِنا لَهَبُها أشدّ.
والعَطَش.. أكبادُنا تَحترقُ مِن العَطَش. شِفاهُنا تَفَطَّرَت مِثلَ صَحراء لَم تَعرِف الماء. اللسانُ لا يَقدِرُ أن يَدورَ في الفم مِن شِدَّة الجَفاف. شَحَبَت وجوهُنا واصفَرَّت من العطش. منذُ أمسِ والعدوُّ يُحاصرنا. جَيشُ أبي اثنانِ وسَبعونَ فقط، وجيشُ يزيدَ عَشَراتُ الآلاف.
أنصارُ أبي ذَهبوا منذ الصباح.. واحداً بعد واحد، إلى الميدان. ثَبَتوا بكلّ شجاعةٍ في مُقابِلِ الجيش الكبير. قاتَلوا ببطولة. كلُّ واحدٍ منهم قَتلَ العَشَرات من أفرادِ جيشِ العدوّ.. ثمّ وَقَعَ شهيداً.
والآن.. أبي وحدَهُ يَقفُ في مقابلِ هذا الجيشِ كلِّه.
لَيتَ المسافةَ بين خيامنا والميدان غير بعيدة. لَيتَني أقدر أن أرى أبي وهو يُقاتِل.
ليت أبي قد سَمَح لي أن أذهب معه إلى الحرب.
أبي يقاتل بمفرده جيشاً كبيراً. وابنته القَلِقة المضطربة لا تعرف عنه الآن أيَّ شيء! لا يُرى مِن هنا غيرُ الغُبار والعَجاج، ولا يُسمَعُ غيرُ الضَّوضاء!


* * *

أمسِ.. رأيتُ آثارَ التَّعَب واضحةً على وجه أبي. آلافُ الناس من أهل الكوفة والمدن الأخرى كانوا قد كتبوا رسائل إلى أبي قالوا فيها: إنّهم سيَنصُرونَه إذا ثارَ على حُكم يزيدَ الفاسدِ الظالم. لكنْ.. ما جاء منهم لنُصرتهِ غيرُ اثنينِ وسبعينَ رجُلاً!
هؤلاءِ الاثنانِ والسَّبعونَ كانوا أعزّاءَ أبي وأحبّاءه. قالَ لهم:
ـ خيرُ الناسِ أنتم. لا أعرِفُ أصحاباً خيراً منكم ولا أكثرَ وفاءً. ليس لأحدٍ أبداً أصحابٌ أفضل من أصحابي.
بكيِنا لاستشهاد هؤلاءِ الأعزّاءِ اليوم.. لكنّنا ما رأينا على وجهِ أبي أيَّ ضَعفٍ وانكِسار.
لمّا وَقَع أخي الكبير ( عليّ الأكبر ) من فَرَسِه على الأرض.. قلوبُنا وقَعَت معه، لكنّ أبي لَم يَهتَزّ.
وحينما اخترقَ سَهمُ العَدوِّ حنجرةَ أخي الرَّضيع عبدِالله وهو على يَدِ أبي.. وصَلَ صوتُ بُكائنا إلى السماء، لكنّ أبي كان ثابتاً قَويَّ القلب.
عَمّي العباس حامِلُ الراية وحامي الخيام وسَقّاء عُطاشى كربلاء.. حين وقَعَ من فَرَسِه على الأرض مُقَطَّعَ البدَن.. ظَلّ أبي صابراً، لكنّي رأيتُ قامَتَهُ قد انحَنَت. وَضَع يدَهُ على ظَهره.. وقال: ( الآن انكَسَرَ ظَهري ).


* * *

وعندما استُشِهدَ أنصارُ أبي واحِداً بعدَ واحِدٍ، أمامَ عَينَيه.. استعدَّ أبي ليدخُلَ بنفسِه إلى مَيدانِ القِتال. لكنّه قبلَ أن يَذهبَ، جَمَع النساءَ والأطفال في إحدى الخِيام. قالَ أبي بصوتٍ هادئٍ مطمئنّ:
ـ إستَعِدُّوا للبَلاء، واعلَموا أنّ اللهَ حافظُكم، وسيُنجيكُم من الأعداء، وسيكون أمرُكُم إلى خَير، وسوف يُعَذِّبُ اللهُ عدوَّكُم بأنواعِ العذاب. وسيُعطيكم اللهُ ـ بصبركم ـ ألوانَ النِّعَم والإكرام، فعليكم أنْ لا تَشْكُوا، ولا تقولوا كلاماً يُقَلِّلُ مِن أجرِكم.
عندَها.. فَهِمنا أنّ استِشهادَ أبي لابُدّ منه.
قلتُ: بابا.. هل استَسلَمتَ للموت ؟!
وانفجَرتُ باكية، وأخَذَت الدموع تَصُبُّ من عَيني كالمطر.
ما كنتُ أريدُ أن أجزَع، لكنّه ما كان في يدي. كلُّنا اضطَرَبنا. حتّى عمّتي زينب.. كان تُسَلِّينا من ناحية، ومن ناحيةٍ أُخرى كانت تَمسَحُ دُموعَ عَينَيها.
ضَمَّني أبي إلى صدره.. وقال:
ـ ابنَتي .. يا نورَ عَيني، كيفَ لا يَستَسلِمُ للموتِ مَن لَم يَبْقَ له ناصرٌ ولا مُعين ؟!
ارتفعَ صوتي بالبكاء، وقلتُ:
ـ إلى مَن تَكِلُنا إذَن ؟!
مَسَحَ أبي دموعي بيديه، وطَبَع قُبلةً على أهدابي المُبَلَّلة، وقال:
ـ أكِلُكُم إلى الله، أكِلُكُم إلى رحمة الله.. فإنّه معكم في الدنيا والآخرة. فاصبِري على ما يُريده الله، ولا تَشْكِ يا بُنَيَّتي، فإنّ الدنيا ذاهبة والآخرة باقية.
ما شَكَوتُ، ولا جَزتُ.. لكنّ البكاءَ كان غالباً.
كيف يمكن أنْ لا أبكي.. وأبي ـ وهو أفضل أبٍ في العالَم ـ يريد أن يذهب إلى الميدان، ليقاتل بمفرده عشراتِ الآلاف ؟!
ودَّعَنا أبي جميعاً، ومَسحَ على رؤوس الأطفال ووجوههم بحنان، وتكلّم مع عمّتي زينب كلاماً لم نفهمه، ثمّ قال لعمّتي أن تأتيه بقميصٍ عتيق.
تَعجّبْنا كلُّنا.. وسألْنا:
ـ قميص عتيق! لماذا ؟
قال أبي:
ـ العدوّ عدوّ لئيم، سيجرّدني بعد قتلي من ثيابي ويأخذها غنيمة. أُريد أن ألبس تحت ثيابي قميصاً لا يرغَبُ فيه أحد، لكي لا أظلّ بعد قتلي بدون ثوب.
تَهيّأ أبي للخروج.. كمَن يُريدُ أن يَذهبَ إلى مكانٍ ذي عَظَمة قد دُعِيَ إليه. ارتدى ثيابَه. لَبِسَ دِرعَه، وعَدَّلَ مِن وَضعِ سيفِه. نَشَّف عَرَقَ جَبينِه بطرَفِ عِمامَتِه. سَرَّحَ لحيتَه التي خالَطَها البَياضُ بيدِه، وأخَذ يُرَتِّبها.. ومضى لِيذهَب. تَقدَّمَ نحوَ فَرَسِه مُسرِعاً إليه بثباتٍ بَيِّن، ليصل بعد لحظةٍ إلى جيش العدوّ الذي كان يَموجُ كالبحر الصاخب. لقد كان الجيش بصيحاته المتوحِّشة ينتظرُ قُدومَ أبي.
لم يكن في وُسعِ أحدٍ أن يَصِدَّهُ عن عزمه الراسخ القويّ على الذهاب. حتّى لو لم يذهب هو بنفسه.. لجاء العدوّ مُتَقدِّماً نحوَ الخِيام، فما أكرمَ أن يذهب هو بنفسه فيضرب قلبَ العدوّ ويُقاتل بعِزّةٍ وثبات!
لم يكن أحد قادراً على أن يَصِدَّهُ عن الذهاب؛ لأنّه كان يعرف مِن قبلُ أنّه سوف يُستَشهَد، وكان قد قال، إنّ الدين لن يبقى ولن يستقيم إلاّ باستشهاده.
لم يقدر أحدٌ أن يقول له:
ـ لا تَذهَبْ يا أبتاه !
ـ لا تَذهَبْ يا عمّاه !
ـ لا تَذهَبْ يا أخي !
ذلك أنّه « إمامٌ » للجميع، والجميع يعرفون أنّ الإمام لا يفعلُ شيئاً إلاّ بأمر الله. لكنّ الجميع يَودُّون أن يَتَزوّدوا من النظر إليه، ولو لحظّةً واحدة.. يتكلّمون معه، ويسمعون كلامه.
صاحَت عمّتي زينب التي كانت تنظر إليه من وراء السِّتار.. وهي تبكي:
ـ تَمَهَّلْ يا أخي.. تَمهَّلْ قليلاً !
رَجعَ أبي.. ونَظَر مرّةً أُخرى إلى النساء والأطفال القلقين المضطربين الباكين. لو أنّ أحداً غير أبي هو الذي يريد أن يذهب هذا الذَّهاب.. لَكانَ عليه أن يُعيد النظر في ذَهابه، وأن يتردَّد في خطواته، أمامَ بكاء النساء والأطفال الذي يُذيب القلب. لكنْ.. ما كان في إيمان أبي، ولا في إرادته، ولا في خُطُواته أيُّ أثرٍ للتردُّد وإعادة النَّظَر. هَزَّ يَدَه يُوَدِّعُنا بلطفٍ ومحبّة، واستَودَعَنا اللهَ.. ومَضى نحو فَرَسِه.
كان هذا الذي فعله أبي ـ أنا التي سأفقد بعد لحظة أباً له كلُّ هذه الطِّيبة وهذا الحنان ـ قليلاً جدّاً علَيّ. وبدون اختيار.. اندفَعتُ من مكاني. وقبل أن يَلحظَني أبي.. أسرعتُ باتّجاه فَرَسِه. كان أبي قد ركب الفرس بشجاعةٍ وعزّة، وأراد أن يتحرّك. لكنّ الفرس لم يتحرّك.. ذلك أنّي قد شَبَكتُ يديَّ على قَوائمِه.
نظرات الفرس انشدَّت إلى عَينيّ.. وأخذ يبكي لبكائي.
عَجِب أبي من تَوقّف الفرس وتَسمُّره في هذا الوقت غير المناسب. وازداد عَجَبُه لمّا وقعَ نظرهُ علَيّ ورآني ملتصقة بقوائم الفرس ولا أدَعُه يتحرّك.
نَزَل مِن الفرس، وضَمَّني إلى صدره.. ثمّ أخذ ينشِّف دموعي، وقال:
ـ بُنيَّتي! نورَ عَيني!
قلت:
ـ بابا.. عندما استُشهِد ( مُسلِم ) احتَضَنتَ ابنتَه اليتيمة، وأخذتَ تَعطِفُ عليها بحنان. فإذا رُحتَ أنت، إذا أصبحتُ يتيمة.. فمَن الذي يمسح بحنانه على رأسي مِن بَعدِك ؟!
تَرقرقَت عينُ أبي بالدموع. لاحَ الانكسار في قلب أبي.. وقال وهو مختنق بعَبَرتِه:
ـ سُكَينة.. يا بُنَيّتي، لا تبكِ. سيطول بعدي بكاؤكِ. أمَا وأنا ما أزال على قيد الحياة، وما تزال روحي في بدني.. فلا تُحرِقي قلبي بدمعك. فإذا ذهبتُ ـ يا خيرةَ البنات ـ فأنتِ أحقُّ مِن غيركِ بالبكاء.
كنتُ أدري أنه غير ممكن.. لكن لا أعرف لماذا قلت له:
ـ عُدْ بنا يا أبَتاهُ إلى المدينة.. في جوار حَرَم جدِّنا النبيّ.
نَظَر أبي إلى العدوّ نَظرةَ المظلوم، وقال:
ـ أنتِ تَرَين يا ابنَتي أنّ هذا غيرُ ممكن.
ارتفعَت صَيحاتُ العدوّ.. فكانَ على أبي أن يمضي إلى الميدان.
كنتُ ما أزالُ أُحسُّ على خَدّي بدِفءِ شِفاه أبي المتفطِّرة.. لمّا شاهدت أبي رَكِبَ الفرسَ، وبَدأ هُجومَه على العدوّ من الميدان.. تَصل إلى أُذني أصواتُ السيوف وصَهلاتُ الخيول وزَعقات الأعداء المتوحِّشين.
كُنّا واقِفِينَ إلى جانب الخِيام، وأنفاسُنا محبوسة في صدورنا، ونحن نرتعش مثلَ شجرة يهزّها الهواء.
... واوَيلاه! كأنّ هذا الفَرَس الذي خَلا من فارسِه هو فَرَسُ أبي. إنّه يَتَّجِه إلينا وهو يَضرِبُ نفسَه بالأرض، والدمُ يَصبَغ رأسَه وشعرَ رَقَبتِه. أهذا صَوتُ بُكائي أم بكاء فاطمة ورُقَيّة ؟!



ترجمة لقصة ( واى تشنگى )، تأليف: سيّد مهدي شجاعي



منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة هادفه للأطفال "نافذة باللون الأسود و الأحمر"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الحسن (عليه السلام) :: الأقسام العامه :: ركن الرسوم المتحركه-
انتقل الى: